مئوية عيد الجهاد
لقرأة الكتاب أضغط علي الغلاف

منير فخري عبدالنور
الإثنين 12-11-2018
بينما يحتفل العالم بالذكرى المائة لنهاية الحرب العالمية الأولى وتوقيع اتفاقية الهدنة بين الحلفاء من ناحية وألمانيا من ناحية أخرى، فجر يوم الاثنين الموافق 11 نوفمبر 1918 تمهيداً لعقد مؤتمر السلام بفرساي في فرنسا، نحتفل نحن في مصر بمرور مائة عام على مقابلة سعد زغلول وعبدالعزيز فهمي وعلى شعراوي للمعتمد البريطاني، سير ريجينالد ونجت يوم 13 نوفمبر، أي بعد يومين من توقيع اتفاقية الهدنة، للاشتراك في مؤتمر السلام لعرض القضية المصرية والمطالبة بإنهاء الحماية البريطانية التي فرضت على مصر في ديسمبر سنة 1914 فور اندلاع الحرب استناداً إلى مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها الذى أعلنه رئيس جمهورية الولايات المتحدة الأمريكية ودروو ويلسون.
فكانت هذه المقابلة المفجر للثورة الشعبية المصرية الكبرى، ثورة 1919 التي سجل فيها الشعب المصري أروع البطولات في ملحمة دامت ما يقرب من أربع سنوات نال خلالها اعتراف بريطانيا بمصر دولة حرة ذات سيادة بموجب تصريح صدر من طرف واحد في 28 فبراير 1922، ودستور صدر في 19 إبريل 1923، وبرلمان تم انتخابه واجتمع يوم 13 يناير 1924، وحكومة تمثل الأغلبية البرلمانية شكلها سعد زغلول زعيم الثورة يوم 28 يناير 1924.
وقد احتفل المصريون بهذا اليوم وجعلوا منه عيداً عرف باسم عيد الجهاد الوطني. لكن المئوية، أو الذكرى المائة له تستحق الاحتفاء بها احتفالاً خاصاً، لأنها فرصة لنعيد قراءة تاريخ هذه الفترة التي شهدت تأسيس الوطنية المصرية، وقيام الدولة الديمقراطية، خلالها تحررت المرأة المصرية وخرجت إلى الشارع في مظاهرات تهتف وراء هدى شعراوي، فخلعت الحجاب ودخلت الجامعة وتقلدت المناصب العامة محققة نبوءة قاسم أمين، وتأكدت قيم المواطنة ورفع الشعب شعار «الدين لله والوطن للجميع».
… وأنشأ طلعت حرب بنك مصر في 20 مايو 1920 ساعياً لبناء اقتصاد وطني مستقل وقاعدة لعشرات من الشركات الصناعية والمالية والتجارية، وقاد عمر لطفي الحركة التعاونية، داعياً لقيام جمعيات التعاون، ونحت محمود مختار تمثال نهضة مصر، رمزاً لعودة الوعى إليها ولصحوتها بعد طول رقاد، وازدهرت الفنون التشكيلية على يد روادها محمود سعيد وراغب عياد ويوسف كامل ومحمد حسن وغيرهم، وتغنى سيد درويش بحبه لبلاده، ونبغ جيل من الكتاب والمفكرين والشعراء والصحفيين العمالقة، منهم طه حسين وعباس محمود العقاد وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم وعبدالقادر حمزة وتوفيق دياب وحافظ عوض وسلامة موسى وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ ولويس عوض وحسين فوزى ومحمد مندور وغيرهم.
إنها مناسبة لإلقاء نظرة فاحصة وناقدة على أحداث ثورة 1919وعلى زعمائها وقياداتها الشعبية، بل على المجتمع المصري بكافة مكوناته، ودراسة تأثير هذا الحدث على عدة دول وحركاتها الوطنية، منها العراق وسوريا والسودان وجنوب أفريقيا، بل الهند وإيرلندا حيث ألهمت ثورة 19 كلاً من المهاتما غاندي ودى ڤاليرا.
وستحتفل مصر بمئوية ثورة 1919 رسمياً، إذ شكلت وزيرة الثقافة لجنة لتنظيم فعاليات عديدة، لعل أهمها عقد مؤتمر علمي يعقد بالقاهرة في منتصف شهر مارس المقبل على مدى ثلاثة أيام يشارك فيه أساتذة تاريخ وعلوم سياسية ودراسات اجتماعية وفنون من مصر والخارج، يتناول محاور سياسية واقتصادية وقانونية وثقافية ودولية، بالإضافة إلى تنظيم حفلات لأعمال فنية تعبر عن ثورة 1919، منها حفلات غنائية وأمسيات شعرية ومعارض فن تشكيلي وغير ذلك.
كما ستحتفل مصر شعبيا، حيث سيقوم حزب الوفد بالاحتفال بمئوية الحزب، بتنظيم عدة فعاليات، أهمها مؤتمر شعبي في مقر الوفد يدعى إليه قيادات الأحزاب المصرية وممثلون عن أحزاب الدول الأخرى التي ارتبط بها الوفد تاريخياً، مثل حزب المؤتمر الهندي، وحزب الاتحاد السوداني والأحزاب الأيرلندية، سيلقى خلاله رئيس الوفد خطاباً سياسياً يسرد فيه تاريخ الحزب ونضال زعمائه وتضحياتهم وسياساته للمساهمة في بناء الدولة الديمقراطية الحديثة التي ننشدها.
من ناحية أخرى، ستقوم عدة دور نشر بإعادة نشر مذكرات زعماء الثورة وكتب كبار المؤرخين الذين تناولوا هذه الفترة من تاريخ مصر، كما سيتولى عدد من المهتمين بالشأن العام بتنظيم ندوات ومحاضرات وحلقات نقاشية ستعقد شهرياً خلال سنة 2019 ستنتهى بتنظيم مؤتمر علمي دولي يعقد في مكتبة الإسكندرية.
وجدير بالذكر أن عدة جامعات بريطانية، منها جامعة لندن وجامعة أوكسفورد ومراكز دراسات فرنسية منها معهد العالم العربي بباريس، ستنظم مؤتمرات بمناسبة هذه الذكرى.
إن تخليد ذكرى ثورة 1919 وتقديرها حق قدرها في مسار التطور الوطني والسياسي لبلادنا، واستلهام قيمها ومبادئها، واجب يقع على عاتق مؤسسات الدولة والمجتمع، بل على كل مواطن كي نبنى المستقبل على أسس متينة.
[منقول عن https://www.almasryalyoum.com/news/details/1342330]